د. بهي الدين مرسي
ذاع فى الآونة الأخيرة صيت المكملات الغذائية، وتزامن هذا الانتشار مع شيوع رياضة كمال الأجسام بين الشباب، خاصة بعد أن أصبحت صالات التريض المعروفة بـ«الجيم» هى وجهة الشباب بعد ارتفاع أسعار الأندية.
فى البداية، لا بد من التفرقة بين الدواء والمكمل الغذائى، وعلى الرغم من كونهما متجاورين على أرفف الصيدلية، فإن لفظ الدواء لا يطلق إلا على مستحضر تمت إجازته من هيئة الغذاء والدواء، ولكى يحظى مركب كيميائى بهذا المسمى يجب أن يخضع للمثول للبحث التجريبى، وهى مراحل معقدة تستغرق سنوات وتتكلف أموالًا باهظة، وفى النهاية يجب أن يحصل هذا الدواء على هوية تضمن حسن استخدامه والتداوى به وفق المحاذير المعروفة سلفًا، ويتم هذا بإخضاع الدواء لأحد دساتير الأدوية العالمية، ونحن فى مصر نتبع دستور الدواء البريطانى، الذى يحدد الجرعة والشكل الصيدلى.
أما المكمل الغذائى فهو منتج غذائى غير ضار، ويصلح لاستخدام البشر، ولكن لا ضمانة علمية بنفعه أو ضرره، لأنه لم يخضع للبحث العلمى التقليدى، كما هو متبع مع الدواء، لذلك لا تجيزه دساتير الأدوية.
المكمل الغذائى ليس مستخلصًا نقيًا فى حد ذاته، مثل فيتامين «ب»، مثلًا، ولكنه مركب غنى بهذا الفيتامين، مثل الخميرة، ولا يزال الغموض يكتنف كينونة هذا المركب ولا تتوافر معلومات كافية حول أضراره، وبالتالى يصعب التعامل به مع مرضى القلب أو الكلى، والسبب هو أن حدود السمّية وحدود الضرر غير معلومتين.
المكملات الغذائية هى منتجات حظيت بسمعة طيبة وسط الأغذية، ولكن الخطورة تكمن فى الجهل بتفاصيل الأثر الصحى على البشر، مثل الكركمين الذى شاع استخدامه مؤخرًا، فلا ضرر من استخدامه بجرعات بسيطة لتلوين المخبوزات، أو لإضفاء نكهة على بعض الأطعمة، ولكن المبالغة فى تعاطيه بكميات كبيرة تتعدى ملء ملعقة كبيرة كل يوم للتخلص من المغص الكلوى، مثلًا، تنطوى على ضرر قد تدفع ثمنه الكلى.
تكمن المشكلة فى أن المكملات الغذائية يتم تسويقها عبر الصيدليات، وهو الأمر الذى أوحى بشرعيتها، علمًا بأن وزارة الصحة فى أى بلد لا ترخص المكمل الغذائى بصفته عقارًا للتداوى، إنما تجيزه كونه مادة طبيعية ضمن خيرات الحياة التى لا ضرر منها، مثل ورق الجوافة أو الينسون، وحتى نخالة الدقيق التى يتم سحقها وتضغط على شكل أقراص «تنفش» فى المعدة بعد ابتلاعها لسد الشهية، وعادة ما يكون هامش الربح كبيرًا فى مثل هذه المنتجات، لذلك انتشرت تجارة المنتجات العشبية المعبأة فى عبوات تشبه عبوات الشاى وتطرح كبدائل للشاى والقهوة، إلا أن الإفراط فى تناولها قد ينطوى على مشاكل صحية، مثل تكوين حصوات الكلى أو تغيير حموضة أو قلوية الدم مع بعض الأنواع.
تعرضت مصر فى منتصف السبعينيات لإغراق السوق بمكملات غذائية تحت مسمى غذاء ملكات النحل، التى نسبت وقتئذ لسيدة قبرصية، وكانت تعبئ عسل النحل فى كبسولات وبيعت فى عبوات أنيقة، وتم تسويقها كدواء للشلل والسرطان والفشل الكلوى والأرق، ولم تتنبه الرقابة الصحية لهذه الممارسات التى استنزفت جيوب المصريين.
فى ذات السياق، انتشرت ثقافة الاستقواء الغذائى بالفيتامينات والمعادن حتى تغير الفهم الصحيح لمسمى «الفيتامين» وأصبح مرادفًا للقوة والصحة وزيادة الوزن والفحولة والنضارة وهى صفات لا تمت بأى صلة للفيتامين، ونفس الشىء يسرى على تجرع المعادن مثل الزنك والحديد، وتم تأليف قوائم نفع لهذه المعادن.
التعاطى غير المرشد لهذه الفيتامينات هو المسئول عن تدهور الكبد والمخ، جراء الزيادة غير الرشيدة، مثل فيتامين «أ» الذى يؤدى الإفراط فى تناوله إلى تليف الكبد، أما الإفراط فى تجرع الحديد، فيتسبب فى تليف الكبد وتصلد الأعضاء الرخوة، مثل المخ والمعدة والبنكرياس، ويسرى نفس الضرر على بقية القائمة من فيتامين «ب» المركب الذى تتسبب زيادته فى المزيد من التهاب الأعصاب الطرفية، مما يدفع المريض لتجرع المزيد.
أما تناول الزنك، الذى بات شائعًا، اليوم، فى أى صورة، فهو كارثى، حيث يتسبب الإفراط فى تناوله فى حدوث متلازمة الفص الأمامى بالمخ وهو تلف بخلايا الذاكرة والذهنية، حيث إنه فى الأصل ضمن العناصر النادرة فى جسم الإنسان فتؤدى زيادته إلى ضعف الذاكرة ووهن العقل وحدوث ضلالات وهلاوس.
تحوى المكملات الغذائية الكثير من الهرمونات المغلفة ومادة الـ«تريبتوفان»، اللتين تؤديان إلى متلازمة إل تريبتوفان، وهى تفاقم عدد خلايا الدم البيضاء، أما الإفراط فى تناول فيتامين «د» بجميع صوره الدوائية فله أثر سُمّى أيضًا، إذ يتسبب الإفراط فى تناوله إلى آلام العظام وتكوين حصوات الجهاز البولى من فئة الكالسيوم والأوكسالات واضطرابات الجهاز الهضمى، بل وتكلس بعض الأنسجة الرخوة بالجسم وتكلس الغضاريف أى تحولها إلى عظام، ومن ثم فقد مرونتها.
وفى ذيل قائمة المحظورات، لا يمكن تجاهل أثر الهرمونات الذكورية، التى تعرف بهرمونات البناء، والتى ينسب إليها بناء كتلة عضلية يفتخر بها المتريض دون أن يعى أنها توقف النمو لدى أبدان اليافعين، وهى بذات الوقت تضعف الخصوبة الذكرية لدى البالغين، لأنها تعطى إشارات خاطئة للغدد الداخلية بوقف إنتاج الهرمونات الذكرية الذاتية، ومن بعدها يصبح الأمر أشبه باستئصال الخصيتين.
عادة ما يتزامن مع تجرع هذه المكملات الغذائية إضافة عقار الإيفدرين للحصول على اليقظة والتوتر العضلى العالى، إلا أنه مرهق للقلب والكلى والمخ.
29/سبتمبر/2021
تعليقات
إرسال تعليق