العلماء يستخدمون السموم الحيوانية فى علاج بعض الأمراض
فى ظل التطور العلمى الذى نشهده اليوم وجد العلماء أن السم الحيوانى أو المادة السمية التى تفرزها غدة خاصة فى جسم الحيوان وتحقن بالقرص أو اللدغ بغرض الدفاع عن النفس فى حالة الخطر يمكن تطويره ليكون مصدرا قويا للدواء وخلق جيل جديد من العقاقير.
سموم شافية
يقول د. زولتان تاكاكس عالم الزواحف والبرمائيات والمغامر الجرىء أن المتعارف عليه أن العقاقير تأتى من الصيدلية أو الكيمياء، أما الآن فإن المصادر الطبيعية للعقاقير تكون أكثر غرابة فعلى سبيل المثال أول دواء لفيروس نقص المناعة كان مصدره حيوان أسفنج البحر، بينما دواء مرض القلب مشتق من نبات قفاز الثعلب، مما حول اهتمام العلماء نحو الحيوانات السامة فى إنتاج العقاقير باستخدام سموم الفينوم أو السموم الحيوانية، وهى خليط من مئات السموم المختلفة والمكونة من سلسلة أحماض أمينية لتكوين بروتينات تسمى الببتيدات مع الجزيئات العضوية مثل الهرمونات والمضادات الحيوية ووظائف من الكائنات الحية. وتساعد هذه السموم الحيوانات على شل أو قتل الفريسة أو إحداث شلل عند الحيوانات المفترسة، لكن تختلف آلية إنتاج السم وحقنها داخل الفريسة باختلاف نوع الحيوان، فالبعض مألوف ويستخدم الأنياب مثل الثعابين أو اللدغ كالنحل، والبعض الآخر أقل شهرة مثل ذكور بلانبوس منقار البطة أو ما يعرف بخلد الماء فإن لديه منقارا مجوفا بطول 15 ملليمترا يصل إلى داخل ساقيه الخلفيتين، وهو متصل بغدد سامة يستخدمها للدفاع عن نفسه ضد الحيوانات المفترسة، وأيضا أنواع معينة من الذباب تستخدم اللعاب السام.
مصادر مثالية للعقاقير
يقول تاكاكس إن سموم الفينوم تعد من الجزيئات الأكثر دقة وفعالية ومصادر مثالية لاكتشاف العقاقير، حيث إن كل منها يستهدف وظيفة محددة للغاية من وظائف الجسم الحيوية للإيقاع بالفريسة فبعضها يهاجم الجهاز العصبى مما يسبب شل الحركة، وبعضها يسبب سيولة الدم مما يؤدى إلى نزيف حاد وهنا جاءت الفكرة أن نفس هذه الخصائص الخطرة يمكن جعلها مفيدة، حيث إن السم الذى يفرز داخل الجهاز العصبى يمكن أن يكون مسكنا رائعا، وسيولة الدم تعد جزءا حيويا من علاج أمراض القلب، وحيث إن الفينوم هو خليط معقد من السموم فهو يحتاج إلى عزل نوع واحد معين منه حتى يكون عاملا علاجيا آمنا. إن فكرة استخدام السموم كمصدر للعقاقير ليست جديدة، فقد استخدم سم الفينوم من قبل الحضارات القديمة فى العقاقير، كذلك استخدم عام 1981 فى المملكة المتحدة نوع من سموم الفينوم فى العقاقير، والآن تجرى دراسة لإنتاج عقاقير مختلفة من السموم الحيوانية تستهدف كل الأمراض، حيث إنه فى الآونة الأخيرة يتجه العلماء نحو استخدام سموم محددة، لكن من ناحية أخرى يجمع تاكاكس السموم من جميع أنحاء العالم وغالبا من المناطق النائية للحصول على عينات سموم جديدة من الحيوانات السامة المختلفة للعثور على السموم التى تمتلك أعلى نسبة لعلاج الأمراض، بالإضافة إلى المصادر الطبيعية التى لها خصائص بيولوجية جديدة.
فينوم النحل والدبابير يعالج فيروس نقص المناعة البشرية وسرطان الثدي وسرطان الجلد والتهاب المفاصل الروماتويدي.
تحتوى لدغة النحل أو الدبابير على مركبات يمكن أن يكون لها استخدامات مختلفة مثل مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية كما يساعد فى علاج التهاب المفاصل الروماتويدى، لاحتوائها على ببتيد يسمى «melittin» وهى مادة بروتينية سامة تعد المكون الأساسى لسم النحل والتى تسبب الحرقان المصاحب للدغة. وقد أجرى بعض الباحثين فى جامعة واشنطن بمدرسة الطب فى الولايات المتحدة تجارب مخبرية بجزيئات الذهب النانوية مع «melittin» للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية دون التأثير على الخلايا البشرية، لكن الأبحاث ما زالت فى بدايتها. وهذه الجسيمات النانوية يمكن أن تكون جزءا من هلام مهبلى يمنع انتقال فيروس نقص المناعة البشرية الذى يعد واحدا من أكبر التحديات التى تواجه علاج السرطان مع ضمان استهداف العقاقير الخلايا السرطانية فقط. ويدرس باحثون من جامعة ليدز وساو باولو فى البرازيل مادة سامة من الفينوم من دبور برازيلى يسمى بوليبيا باوليستا يمكن أن يستهدف الخلايا السرطانية فقط، وبعد اختبار السم فى المختبر على الفئران يرى أيضا أن خصائص «melittin» مفيدة فى علاج السرطان. وقد ثبت ذلك من تقلص حجم الأورام بالثدى فى الفئران، وفى سرطان الجلد، وبعض النتائج تشير إلى أنها قد تمنع أيضا حدوث التهاب المفاصل الروماتويدى.
سموم الثعابين تعالج ضغط الدم وتجلط الدم والآلام المزمنة.
سم الثعبان هو الأكثر دراسة بين العلماء فى البحث عن عقاقير جديدة، فالأدوية المشتقة من فينوم الثعابين تستهدف نظام القلب والأوعية الدموية، ومنها دواء ضغط الدم كابتوبريل الذى يعمل على وقف الجزيئات لمنع تمدد الأوعية الدموية كما يقوم بتوسيع وخفض ضغط الدم، وهو أول عقار يستند على الفينوم ويستمر ليكون واحدا من الأدوية الأكثر شعبية فى السوق، فضلا عن اكتشاف أفعى القزم فى الولايات المتحدة، التى بها سم قوى يوقف تجلط الدم ويسبب نزيفا غزيرا. وقد أضيف سم من سمومها إلى دواء يسمى «eptifibatide» وتم استخدامه فى بعض الحالات مثل خطر الإصابة بنوبات قلبية مفاجئة، فهو يمنع التصاق الصفائح الدموية فى الدم، وجلطات الدم التى يمكن أن تسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية، وأيضا دواء «tirofiban»، أما فى الوقت الحالى فتجرى تجارب سريرية لعقاقير أخرى لأمراض القلب. ومن ناحية أخرى يبحث المعهد الفرنسى سم المامبا السوداء وهو أطول ثعبان سام فى أفريقيا، لاستخدامه كمسكن للألم بعد دراسات أجريت على الفئران ووجد أنه مثل المورفين.
الحلزون المخروطى تعالج الألم المزمن ومرض الزهايمر والشلل الرعاش والفصام وسرطان الرئة
تم العثور على هذه القواقع البحرية آكلة اللحوم المفترسة بشكل رئيسى فى المحيط الهندى والهادئ فهى تخرج السم من فمها وتحقنه فى فريستها، وهى عادة الأسماك، لتشل حركتها على الفور وتلتهمها، لكن أثبتت سمومها أنها مفيدة كما المسكنات، فقد أظهرت مدى فعاليتها على قتل الألم، وهناك بالفعل عقاقير فى السوق مثل زيكونوتيد الذى يستخدم لعلاج الألم المزمن الشديد. وتجرى دراسة على كل أنواع سم الحلزون المخروطى من جامعة ولاية يوتا لقدرته على التأثير على مستقبلات النيكوتين فى الدماغ وإدمان التبغ، والتى يمكن أن تلعب دورا هاما فى مرض الزهايمر، ومرض باركنسون، والفصام، وسرطان الرئة.
العناكب والعقارب ومفصليات الأرجل تعالج السرطان وضمور العضلات والآلام المزمنة والضعف الجنسي لدى الرجال
يمكن أن يكون سم العقرب مفيدا طبيا كوسيلة لوضع العلامات أعلى خلايا الورم فى المخ لإجراء عملية جراحية، حيث إنه من الصعب للجراحين تحديد أين يبدأ وينتهى الورم، لذلك مكون سم العقرب يربط الخلايا السرطانية ويضع علامة الفلورسنت وهذا يعنى أن الأورام تضيء، مما يمكن الجراح من الحصول على رؤية واضحة، وهذا الطلاء تم تطويره من قبل باحث فى مركز أبحاث السرطان فريد هاتشينسون فى الولايات المتحدة وتم اختباره على الحيوانات ويجرى الآن تجربته على البشر. أما سم فينوم العنكبوت فيبدو أيضا أنه سيكون مصدرا غنيا بالمركبات لتطوير الأدوية، حيث يعتقد أن لديه القدرة على علاج ضمور العضلات، الآلام المزمنة، وعدم القدرة على الانتصاب عند الرجال. وعن مفصليات الأرجل فقد قامت دراسات من باحثين بجامعة كوينزلاند في أستراليا التى أظهرت أن لديه القدرة على تسكين الآلام وأنه أكثر فعالية من المورفين، وربما يكون دون بعض الآثار الجانبية مثل الإدمان.
شقائق النعمان البحرية تعالج مرض التصلب المتعددة والتهاب المفاصل والصدفية والذئبة
هو حيوان بحرى رخوى سام ذو شكل يشبه الزهرة له العديد من اللوامس السامة موطنه منطقة البحر الكاريبى، يعيش فى المياه التى تتراوح حرارتها بين 32 إلى 80 درجة مئوية ليستخدم الخلايا اللاسعة فى مخالبه وتقديم السم إلى فريسته. اهتم العلماء بتشكيل عقار تجريبي من سم النعمان يسمى»dalazatide» يخضع للمرحلة الثانية من التجارب السريرية لعلاج أمراض المناعة الذاتية فى نوع معين من الخلايا المناعية، مثل التصلب المتعدد، والتهاب المفاصل، والصدفية، والذئبة، بدلا من تثبيط النظام المناعى كله مثل الأدوية الموجودة حاليا.
سموم السحالى تعالج مرض السكر
«جيلا» هى سحلية سامة والأكبر فى موطنها الولايات المتحدة، وتملك لعابا ساما، وعلى الرغم من أنها تتناول الطعام أقل من ثلاث وجبات كبيرة سنويا فإنها تحافظ على مستوى السكر فى الدم دائما مستقر. واكتشف الباحثون مرة أخرى فى أوائل 1990 عنصرا فى سم السحلية يحاكى نشاط الهرمون البشرى الذى يحفز إفراز الأنسولين عند ارتفاع مستويات السكر فى الدم مما يساعد الأشخاص الذين يعانون من مرض السكر الحفاظ على مستويات صحية من الجلوكوز حتى فى حالات فقدان الوزن.
تعليقات
إرسال تعليق